Menu
Search
Saudi Central Bankالبنك المركزي السعوديأخبارالكلمة الافتتاحية لمعالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور محمد بن سليمان الجاسر في ندوة "المنشآت الصغيرة والمتوسطة" التي ينظمها المعهد المصرفي في 25/11/1431هـ الموافق 2/11/2010م
الكلمة الافتتاحية لمعالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور محمد بن سليمان الجاسر في ندوة "المنشآت الصغيرة والمتوسطة" التي ينظمها المعهد المصرفي في 25/11/1431هـ الموافق 2/11/2010م
 
 

 

الكلمة الافتتاحية لمعالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي

الدكتور محمد بن سليمان الجاسر

في ندوة "المنشآت الصغيرة والمتوسطة"

التي ينظمها المعهد المصرفي في 25/11/1431هـ الموافق 2/11/2010م

 

 

أصحاب السعادة، أيها الحضور الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

       إنه ليسعدني كثيراً أن أرحب بكم جميعاً في مقر المعهد المصرفي، كما يطيب لي أن أتلقى دعوة إلقاء كلمة افتتاح ندوة " المنشآت الصغيرة والمتوسطة" أمام هذه النخبة المتميزة من المشاركين والحضور. وأود أن أعرب عن شكري وتقديري للزملاء في المعهد المصرفي ومؤسسة التمويل الدولية (IFC) على تنظيم هذه الندوة. وسأحاول في هذه الكلمة طرح بعض الأفكار المتعلقة بأهمية دور هذه المؤسسات في الاقتصاد الوطني والتحديات التي تواجه نموها وتوفير التمويل المناسب لها.

 

 

أيها الأخوة الحضور

       يتكون الاقتصاد الوطني من مجموعة كبيرة ومتكاملة من المؤسسات العامة والخاصة التي تستخدم ما هو متاح من عناصر إنتاج بشرية و مادية في تقديم تدفقات مستمرة من السلع والخدمات لمواجهة احتياجات المجتمع المحلي وجزءاً من الطلب الخارجي. وبطبيعة الحال، تختلف أحجام المؤسسات المحلية بحسب معايير العمالة، ورأس المال، والمبيعات ..الخ. ومن الاعتقادات الخاطئة أن المؤسسات كبيرة الحجم هي المحرك الرئيس للنشاط الاقتصادي. وقد نشأ هذا الاعتقاد نتيجة ما تحظى به من اهتمام في وسائل الإعلام المختلفة. إلا أن الواقع الفعلي يؤكد على أن المنشآت صغيرة ومتوسطة الحجم تمارس دوراً هاماً في الحركة الاقتصادية في الدول المتقدمة والنامية، وذلك من خلال قدرتها الاستيعابية الهائلة لتوظيف القوى العاملة بما فيها متوسطة ومتواضعة التدريب والتأهيل العلمي، إضافة إلى دورها في الحركة اليومية في النشاط التجاري للسلع والخدمات. فعلى سبيل المثال، تشكل المؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم في منطقة اليورو نحو 99.8 في المئة من إجمالي منشآت الأعمال،  ونحو 60 في المئة من القيمة المضافة، وحوالي 70 في المئة من التوظيف. وهذه النسب ليست مقتصرة فقط على منطقة اليورو، بل إنها قد تكون متشابهة في كثير من دول العالم. وتُعد المنشآت الصغيرة والمتوسطة الأداة الأكثر كفاءةً وقدرةً على دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك المناطق النائية الأقل حظاً في التنمية، كما أنها توفر مجالاً خصباً للتدريب وتطوير المهارات للعاملين، وتساعد على سرعة دوران أموال الاستثمار صغيرة الحجم، بالإضافة إلى كونها نواة المشروعات الكبيرة. ومن هذا المنطلق، أولت الحكومات منذ عهد بعيد، اهتماماً كبيراً بهذه المنشآت وسنت الأنظمة لتوفير البنية التحتية التي تساعد على نموها وتطورها، خاصةً بعد أن أثبتت قدرتها على تخفيف الضغط على القطاع العام في توفير فرص العمل، إضافةً إلى أنها تُعد ميداناً فسيحاً لتطوير المهارات الإدارية والفنية للعاملين، كما تساعد المنشآت الكبيرة في العملية التسويقية، وتوفير المواد الخام والسلع الأولية في المراحل الإنتاجية. كذلك هناك توجه متنام لدى معظم المؤسسات والمنظمات الإقليمية والدولية المانحة للمعونات على تقديم الموارد المالية والمعونات الفنية التي تستهدف جعل هذه المنشآت الصغيرة والمتوسطة تعتمد على نفسها وتؤدي دورها المطلوب في الاقتصاد.

أيها الأخوة الحضور

       قد يتساءل البعض عن ماهية المنشآت الصغيرة والمتوسطة وكيف يمكن التفريق بينهما وهل هناك تعريف دولي لها. والحقيقة أن هناك تفاوت كبير على المستوى الدولي في تعريفها. حيث لا يمكن التوصل إلى تعريف موحد لها، فلو اعتمدنا على معيار رأس المال مثلاً، نجد أن منشأة ذات رأسمال قدره 10 مليون يورو تعد من المنشآت صغيرة الحجم في الاتحاد الأوروبي، بينما تعد من المنشآت متوسطة الحجم وربما كبيرة الحجم في بعض الدول النامية. كما أن عبارتي "صغيرة" و "متوسطة" هما كلمتا مقارنة ولهما مفاهيم نسبية تختلف من قطاع إلى آخر ومن دولة إلى أخرى. إلا أن المتبع بشكل عام في كل دولة أو منطقة هو الاعتماد على مجموعة من المعايير منها حجم العمالة، ورأس المال، وحجم المبيعات السنوية، وإجمالي المركز المالي في نهاية الفترة. ففي منطقة الاتحاد الأوروبي، تعرف المنشآت الصغيرة بأنها التي لديها نحو 50 عاملاً، ويبلغ حجم نشاطها حوالي 10 مليون يورو، في حين تعرف المنشآت المتوسطة بأنها التي توظف نحو 250 عاملاً ويبلغ نشاطها التجاري السنوي حوالي 50 مليون يورو. أما في المملكة العربية السعودية يعتمد صندوق التنمية الصناعية السعودي معيار المبيعات السنوية للتعريف بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة وهي التي لا يتجاوز مبيعاتها 20 مليون ريال سنوياً، وذلك لأغراض التمويل وفقاً لبرنامج "كفالة". ومن جانب آخر، فقد قام البنك الدولي بإجراء استبيان وزع على المصارف التجارية لتحديد تعريف للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وكانت النتيجة وجود تباين في تعاريف المصارف لها، إلا أنه يمكن الاستنتاج من ذلك الاستبيان أن المؤسسات الصغيرة هي التي تتراوح مبيعاتها السنوية ما بين 100 ألف ريال إلى 5 مليون ريال، وتوظف مابين 2 إلى 49 عاملاً. أما المؤسسات المتوسطة فهي التي تبلغ حجم مبيعاتها ما بين 5 مليون ريال سنوياً إلى 50 مليون ريال، وتوظف ما بين 50 إلى 200 عامل.

 

 

أيها الأخوة الحضور

      تتميز المنشآت صغيرة ومتوسطة الحجم بالعديد من المزايا منها سهولة التأسيس نتيجة انخفاض قيمة رأس المال المطلوب لتأسيسها وتشغيلها، وسهولة إجراءات إنشائها وانخفاض مصروفات التأسيس والمصروفات الإدارية نظراً لبساطة هيكلها الإداري. كما تتسم باستقلالية الإدارة في مالكها الذي يسعى لتحقيق أفضل نجاح ممكن لها. ومن مزايا هذه المنشآت، انخفاض التكاليف الإدارية والتسويقية وأجور العاملين، وسهولة الإجراءات الروتينية داخلها، وارتفاع مستوى فعالية الاتصالات وسرعة الحصول على المعلومات اللازمة للعمل داخلها، واستخدام أساليب إنتاج وتشغيل غير معقدة، و القدرة على التكيف مع المتغيرات المستحدثة فيما يتعلق بتلبية رغبات وأذواق المستهلكين، أو تغيير تركيبة القوى العاملة أو سياسات الإنتاج أو التسويق أو التمويل في مواجهة التغيرات السريعة دون تردد مما يساعدها في التغلب على التقلبات أو الدورات الاقتصادية. كما تتسم بحرية الدخول والخروج من السوق بسبب تواضع نسبة الالتزامات إلى الأصول الثابتة أو الكلية، وسهولة تحويل المشروع الصغير إلى سيولة دون خسارة كبيرة وفي مدة زمنية قصيرة, كما أن خروج أحدها من السوق لن يكون له أثر يذكر على وضع السوق، وأخيرا تتمتع بمرونة الانتقال والانتشار الجغرافي. وعلى الرغم من هذه المميزات، إلا أن نمو وتطور قطاع المنشآت صغيرة ومتوسطة الحجم يواجه مجموعة من التحديات التي قد تكون متشابهة إلى حد كبير ليس فقط داخل البلد أو القطر الواحد ولكن أيضا على مستوى الصعيد العالمي. ومن أبرز هذه التحديات ارتفاع تكلفة رأس المال نتيجة ارتفاع معدلات الفائدة مقارنة بالمنشآت الكبيرة، وصعوبة الحصول على التمويل المناسب بسبب نقص الضمانات وتواضع السجل الائتماني، وضعف القدرة على المنافسة والتأثير في قوى السوق والاستفادة من وفورات الحجم Economies of scale كما في المنشآت الكبيرة، وضعف القدرة على مواجهة وتيسير الإجراءات الحكومية للتوسع في أعمالها، وتواضع الصرف المالي على أبحاث التطوير.

أيها الأخوة الحضور

       شهدت منشآت الإعمال في المملكة العربية السعودية نمواً واضحاً في السنوات الأخيرة، فقد ارتفع عدد المنشآت المشتركة في نظام التأمينات الاجتماعية من نحو 121.5 ألف منشأة في عام 1426هـ إلى حوالي 218.4 ألف منشأة في عام 1430هـ، أي بمتوسط سنوي نسبته 16 في المئة. وتمثل المنشآت الفردية نحو 93.1 في المئة من الإجمالي، والمحدودة نحو 4.7 في المئة، والتضامنية حوالي 0.6 في المئة. ويتركز النشاط الاقتصادي لهذه المنشآت في ثلاثة أنشطة هي التجارة بنسبة 34.3 في المئة، والتشييد والبناء بنسبة 32.3 في المئة، والصناعات التحويلية بنسبة 14.6 في المئة. وتحظى المنشآت الصغيرة التي يعمل بها أقل من خمسة أشخاص بالنصيب الأكبر، أي بما نسبته 54.4 في المئة من إجمالي عدد المنشآت في نهاية عام 1430هـ، كما  يبلغ النصيب المئوي للمنشآت التي يعمل بها من 5 إلى 59 شخصاً نحو 42 في المئة، والباقي ونسبته 3.8 في المئة للمنشآت التي يعمل بها أكثر من 60 شخصاً. ومن هذه البيانات يتضح أن معظم المنشآت في المملكة هي منشآت صغيرة الحجم بالنظر إلى معيار عدد العمالة. وتعد مساهمة المنشآت صغيرة ومتوسطة الحجم في الناتج المحلي الإجمالي بالمملكة منخفضة حيث بلغ نصيب إجمالي ناتج القطاع الخاص الذي هي جزء منه نحو 33 بالمئة، في حين ساهمت المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي في دول أخرى نسبة 57 في المئة في اليابان و64.3 في المئة في اسبانيا و 56 في المئة في فرنسا و 44 في المئة في النمسا و 43 في المئة في كندا و33 في المئة في استراليا ، أما في الولايات المتحدة الأمريكية فإنها تساهم بأكثر من 50 في المئة. وقد يعزى تواضع مساهمتها في الناتج المحلي بالمملكة  إلى ضخامة القطاع النفطي والقطاع العام وأنهما يمثلان المحرك الرئيس للنشاط الاقتصادي.

وقد يكون شمول المؤسسة في حسابات الدخل القومي ضعيفاً

 

أيها الأخوة الحضور

       تواجه المنشآت صغيرة ومتوسطة الحجم تحديات واضحة في الحصول على التمويل اللازم لتلبية احتياجاتها التوسعية وذلك نتيجة لعدة أسباب منها عدم توفر الضمانات الكفيلة لمنح الائتمان. وللتغلب على هذه المشكلة في المملكة، قامت وزارة المالية بالتعاون مع المصارف السعودية بتأسيس برنامج كفالة لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وهو برنامج يديره صندوق التنمية الصناعية السعودي برأسمال قدره 200 مليون ريال بغرض تغطية نسبة من مخاطر الجهة الممولة في حالة إخفاق النشاط المكفول في سداد التمويل أو جزء منه، ولتشجيع البنوك على تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي تمتلك مقومات النجاح ولكن لا يمكنها تقديم الضمانات اللازمة أو السجلات المحاسبية التي تثبت أهليتها للحصول على التمويل. وقد شهد البرنامج منذ انطلاقته في عام 2006م حتى نهاية عام 1/10/2010م أداءً جيداً، حيث بلغ عدد الكفالات التي اعتمدها خلال الفترة نحو 1668 كفالة، بقيمة إجمالية قدرها 644 مليون ريال، مقابل قروض منحتها المصارف تحت مظلة البرنامج بلغت نحو 1.6 مليار ريال، استفادت منها حوالي 1113 منشأة صغيرة ومتوسطة الحجم. هذا بالإضافة إلى ما يقدمه البنك السعودي للتسليف والادخار من قروض للشباب والمشاريع الصغيرة من تمويل وكذلك صندوق المئوية، وبرنامج "باب رزق جميل" التابع لعبد اللطيف جميل من دعم مادي لمشاريع الشباب ودورات تدريبية.

أيها الأخوة الحضور

       وختاماً، أود التأكيد على أن وضع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة ما زال يحتاج إلى الكثير من الرعاية وتوفر البيئة المناسبة لها لتؤدى دورها المطلوب في الاقتصاد، خاصة في مجال توطين الوظائف. ولعل هذه الندوة الهامة، أن تناقش هذا الموضوع من مختلف جوانبه وتقدم التوصيات اللازمة لمساعدة المسئولين في اتخاذ القرارات المناسبة لهذا القطاع الهام.

 

       أشكركم جميعاً على حسن الإصغاء وأتمنى لكم التوفيق والسداد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،