ملاحظة: النص أدناه مترجم بتصرف للكلمة التي ألقاها معالي المحافظ باللغة الإنجليزية. ويمكن الاطلاع على النسخة الأصلية من خلال الرابط (هنا).
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أصحاب السمو والمعالي والسعادة، الحضور الكرام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يسعدني أن أرحب بدايةً بضيوفنا الأعزاء من أصحاب المعالي الوزراء وقادة قطاع التقنية المالية وجميع الحضور من أنحاء العالم في مؤتمر Money20/20، الذي تعكس استضافته في الرياض الدور البارز للمملكة العربية السعودية ومكانتها العالمية في تطوير هذا القطاع الحيوي.
حيث تواصل المملكة المضي قدمًا ضمن مستهدفات رؤية السعودية 2030 وبدعم مباشر من برنامج تطوير القطاع المالي وإستراتيجية التقنية المالية؛ لتصبح مركزًا عالميًا في مجال التقنية المالية.
وكانت لمسيرة التحول هذه معالم بارزة ومحركات رئيسية، أدت بدورها إلى تسارع هذه العملية، إذ شهد هذا القطاع نموًا لافتًا، توافق مع الطموحات الوطنية، والالتزام بالمعايير العالمية، حيث نما بمعدل ثلاثة أضعاف، إذ ارتفع عدد الشركات من 82 شركة في عام 2022م إلى 281 شركة حتى شهر أغسطس من عام 2025م، الأمر الذي يعكس نجاح المملكة في تمكين نمو مستدام لهذا المجال.
كذلك، استقطب هذا القطاع استثمارات تراكمية رائدة في السوق تجاوزت 8.9 مليارات ريال حتى شهر يوليو من عام 2025م، مما عزز مكانته كأحد أكثر القطاعات جاذبية للمستثمرين.
ومن معالم هذا التحول تطور منظومة المدفوعات المحلية، التي أصبحت من بين المنظومات الأكثر تقدمًا رقميًا على مستوى العالم، حيث بلغت نسبة المدفوعات الإلكترونية 79% من إجمالي مدفوعات الأفراد في عام 2024م، وارتفع إجمالي عدد عمليات المدفوعات الإلكترونية إلى 12.6 مليار عملية في عام 2024م، مقارنةً بـ 10.8 مليارات عملية في عام 2023م.
وكلّ ذلك الإنجاز، لا يعكس طموحنا فحسب، بل يؤكد القدرة على الابتكار وتقديم الحلول التي تعالج التحديات.
وقد كان للمزايا التنافسية المتنوعة والمتميزة للمملكة، دور في النجاحات التي حققها القطاع المالي حتى الآن، حيث ساهم موقعها الجغرافي في جعلها بوابة لسوق إقليمية متنوعة، تربط بين الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا.
كما أن التعداد السكاني الكبير الذي تتمتع به ووعي سكانها باستخدام التقنية، خلق سوقًا مستهدفة متقبلة لابتكارات مدعومة بالبنية التحتية المتقدمة.
وتميزت البيئة التنظيمية محليًا بأنها بيئة داعمة تسمح باحتضان الحلول الجديدة واختبارها وتوسيع أثرها على المستوى العالمي.
وفي هذا السياق، أود التأكيد أن البنك المركزي السعودي ملتزم بتشجيع دخول الجهات الابتكارية الدولية في المنظومة المالية، وذلك ضمن إطار جهوده المستمرة في دعم تلك المنظومة والاستثمار فيها، مع القيام في الوقت نفسه بتبني نماذج أعمال ابتكارية وتوسيع نطاقها.
كذلك تساهم الشراكات مع شركات المدفوعات الدولية -التي نجحت في ترسيخ مكانتها المحلية- على تحسين المنظومة المحلية من خلال تمكين عملية نقل التقنية والمعرفة، وتحسين مستوى الخيارات والمرونة المتاحتين للمستهلكين، مع تحفيز النمو الاقتصادي في الوقت نفسه.
وعلى الصعيد العالمي، نرى تزايدًا في ثقة المستثمرين بالمملكة، نظرًا لاتسامها بالأمن والجاذبية وجاهزيتها للنمو، مما عزز مكانتها الريادية في البنية التحتية للمدفوعات.
ونحن في البنك المركزي السعودي تتخطى مسؤوليتنا نطاق الرقابة، إذ نولي اهتمامًا كبيرًا تجاه توفير بيئة من شأنها تعزيز الابتكار المسؤول، مع ضمان استقرارها وتيسير الوصول إليها.
ونسعى خلال ذلك -انطلاقًا من الجهود الاستباقية الرامية إلى دعم تطوير منظومة التقنية المالية- إلى ضمان تكافؤ الفرص في السوق، وإتاحة الوصول إلى البنية التحتية المشتركة، وإيجاد بيئة تنظيمية واضحة وملائمة، تضمن حماية المستهلكين والنظام المالي من خلال إطار تنظيمي رقابي متين ومرن، مع القيام في الوقت ذاته بتشجيع عمليتي تطوير التقنيات غير المسبوقة وتطبيقها.
وأطلق البنك المركزي السعودي العديد من المبادرات التنظيمية الرئيسية الرامية إلى تعزيز نمو التقنية المالية؛ منها البيئة التجريبية التشريعية، إذ كانت إحدى أكثر المبادرات من نوعها نجاحًا على مستوى العالم، علاوةً على مبادرة "فنتك السعودية" وبرنامج "مكّن" اللذين تم إطلاقهما بالتعاون مع هيئة السوق المالية.
كما أطلقت ساما في الآونة الأخيرة بوابة الخدمات الإلكترونية، وهي واجهة رقمية موحدة توفر إمكانية وصول سلس للخدمات المقدمة، وتساهم في تحسين تجربة المستخدم وتسهيل المعاملات التنظيمية، بما يضمن إتمام معالجة عملية إصدار التراخيص والموافقات والقرارات الرقابية الإشرافية بكفاءة أعلى.
إن البنية التحتية المحلية تشكل الأساس الذي يستند عليه قطاع الخدمات المالية، ويستثمر البنك المركزي السعودي في تطويرها من خلال عدد من المبادرات الرئيسية، منها إطلاق مخطط أولي لتحديث نظام التسويات الإجمالية الآنية. ومن شأن هذه الجهود أن تدعم استمرار توسع القطاع المالي، وتحسين إمكانية التشغيل البيني والكفاءة، مع إيجاد قدرات متقدمة ترصد الثغرات، وذلك بهدف ضمان الاستقرار المالي.
كما يعمل البنك المركزي على ترقية البنية التحتية لمقاصة الشيكات من خلال تبني المعايير الرائدة في هذه الصناعة في مراكز المقاصة الخاصة به، حيث ستكون في المستقبل القريب مقاصة الشيكات في اليوم نفسه، مما سيزيد من سرعة تداول الأموال في الاقتصاد، ويؤدي إلى تطوير حالات استخدام جديدة للمدفوعات.
إنّ القرارات التنظيمية مثل اعتماد الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري السكني الذي أعلنت عنه ساما مؤخرًا؛ ستسرع من تطور السوق.
أخيرًا، يعمل البنك المركزي السعودي ومنظمون عالميون آخرون على تعزيز التعاون الدولي لتقييم مخاطر العملات الرقمية وتحسين الإجراءات الوقائية، وذلك في سياق البحث مع المشاركين في السوق على مستوى العالم عن حالات استخدام للعملات الرقمية المستقرة.
الحضور الأعزاء،
إننا اليوم نعيش في عالم تتجاوز فيه الفرص والمخاطر الحدود، وندرك أن التقدم الحقيقي لا يتحقق إلا بمشاركة الآخرين، فالتقنية المالية تزدهر حينما تتسق المعرفة والمعايير والبنية التحتية، وتضمن الشراكات تضافر الجهود الابتكارية.
وقد أوجدت الابتكارات ابتداءً من المدفوعات الفورية ووصولًا إلى المصرفية المفتوحة؛ فرصًا عابرةً للحدود، وذلك بالتزامن مع إمكانية انتقال المخاطر عبر الحدود مباشرة والتي تنشأ من طبيعة النظام المالي العالمي المترابط.
ولهذا يُعد التعاون أساسًا للوصول إلى نظام مالي عالمي يتسم بالأمان والشمولية والابتكار، ويُعد التعاون أيضًا ضرورة لتحقيق التقدم في هذا المجال.
وفي هذا الشأن، يلتزم البنك المركزي السعودي بتحقيق التعاون مع نظرائه الدوليين، حيث إن الشراكات عنصر أساسي في عملية الابتكار المسؤول.
وستواصل صناعة التقنية المالية رسم مستقبل كافة الخدمات المالية، وذلك مع ما يتوقع من تطورات مستقبلية؛ بدءًا بالذكاء الاصطناعي ووصولًا إلى الترميز.
وسيكون التعاون ضروريًا لضمان حصول هذه التقنيات الحديثة على الدعم الذي يسمح لها بالتوسع بفاعلية، وبصورة متوازنة مع المتطلبات التحوطية اللازمة للحفاظ على الاستقرار المالي.
ختامًا، أود أن أشكر المنظمين والشركاء والحضور على تعاونهم في تنظيم مؤتمر Money20/20، إذ ستساهم هذه الفعالية كمنصة هامة لمثل هذا التعاون وتبادل الأفكار والرؤى والخبرات التي تشكل مستقبل المالية.
وبينما نمضي قدمًا في تطوير القطاع، نستمر في البنك المركزي السعودي ملتزمين كشريك منفتح ومتطلع لمستقبل صناعة التقنية المالية.
شكرًا لكم.