كلمة معالي محافظ البنك المركزي السعودي في مؤتمر 24 فنتك بمدينة الرياض
محتوى الصفحة

ملاحظة: النص أدناه مترجم بتصرف للكلمة التي ألقاها معالي المحافظ باللغة الإنجليزية. ويمكن الاطلاع على النسخة الأصلية من خلال الرابط (هنا).
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أصحاب السمو والمعالي والسعادة، الحضور الكرام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يسرني أن أرى هذا الجمع من صانعي السياسات وشركات التقنية المالية والشركات الناشئة والأكاديميين من شتى أنحاء العالم حاضرين لتبادل الأفكار والتعاون، واستكشاف التوجهات التي تشكل مستقبل منظومة التقنية المالية.
أود أن أبدأ كلمتي بالتركيز على التحول الكبير الذي نشهده في النظام المالي في المملكة العربية السعودية، خصوصًا في العقدين الماضيين.
لقد تطور النظام المالي تطورًا كبيرًا عن شكله السابق الذي اتسم بتركزه في البنوك التقليدية، وحدث هذا التغيير الكبير في مرحلتين بارزتين.
تضمنت المرحلة الأولى من التحول تعميق النظام المالي، مع ظهور عدد كبير من البنوك المحلية والأجنبية إلى جانب مؤسسات الإقراض المتخصصة.
ظلت البنوك التقليدية هي الجهات الأساسية المشاركة في النظام المالي، وشهدت موجة أخرى من التغيرات توسعًا أكبر في العقد الأخير نتج منها ظهور مجموعة متنوعة من البنوك، وشركات التمويل، ونمو في قطاع التقنية المالية.
وقد أدى نمو القطاع الخاص إلى التوسع في الشركات المالية غير المصرفية، كما أتى التسارع في الابتكار المالي في المملكة؛ نتيجةً لمجموعة من العناصر الحيوية الاستثنائية، بالإضافة إلى مبادرات السياسات المكثفة.
وأود تسليط الضوء على أربعة محفزات:
أولًا: حفزت المبادرات الوطنية ضمن رؤية السعودية 2030 لتطوير الاقتصاد الرقمي الطلب على الخدمات المالية الممكنة تقنيًا.
ثانيًا: ساهم التقدم في تقنية الحوسبة والتحليل في تطوير منتجات وخدمات مالية متقدمة أكثر.
ثالثًا: وجود شريحة سكانية شابة متنامية ومتصلة رقميًا أدى إلى نمو سريع في الطلب على الخدمات المصرفية، وبالأخص الرقمية.
رابعًا: عزز النمو القوي في النشاط الاقتصادي من الطلب على الائتمان، ورفع من جاذبية السوق لمزودي الخدمات.
لقد ساهم نمو حلول التقنية المالية في تحقيق نتائج إيجابية ملحوظة. وشهدنا توسعًا في الوصول إلى النظام المالي وتحسنًا في الوساطة المالية والكفاءة في سرعة العمليات، وانخفاض التكلفة.
لقد ظهرت مجموعة واسعة من المجالات في التقنية المالية، مع وجود نشاط كبير وملحوظ في مجالي المدفوعات والتمويل.
أدى نمو الخدمات غير المركزية في الاقتصاد إلى زيادة الطلب على العمليات من نظير إلى نظير، وتسبب ذلك بنشوء حاجةٍ إلى حلول مدفوعات مبتكرة.
ونتيجةً لذلك، نمت حصة العمليات غير النقدية إلى ما يزيد على 70% من إجمالي المدفوعات في العام الماضي.
إن الزيادة في تنويع القطاع المالي في المملكة قد ساهمت أيضًا في تحفيز طلب كبير على خدمات المصرفية المفتوحة، وأصبح هنالك 12 مشغلًا لهذه الخدمات.
وفي سياق هذه التطورات، يظل تركيزنا كبنك مركزي على تحفيز النمو بتنفيذ الإجراءات الاحترازية التي تضمن الاستقرار المالي على المدى الطويل، وتحافظ على النشاط الاقتصادي، مع توفير بيئة داعمة للابتكار في السوق.
ومن هذا المنطلق، يولي البنك المركزي السعودي اهتمامًا شديدًا بالمخاطر التي قد تظهر من نماذج الأعمال الجديدة للخدمات المالية، أو المخاطر الموجودة مسبقًا ومتابعتها.
وهناك أربعة محاور ذات صلةٍ بهذا النهج على وجه الخصوص:
الحفاظ على متانة الالتزام بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
حماية الأمن السيبراني واستمرارية الأعمال.
تبني الضوابط المناسبة لحماية العملاء ومكافحة الاحتيال.
إدارة التحول من نموذج البنوك التقليدية بحذر؛ لتجنب الاضطراب في النظام المالي بوجهٍ عام.
ولتحقيق التوازن المثالي بين اعتبارات هذه المخاطر وتمكين الابتكار، يوفر إطار البنك المركزي للرقابة القائم على المخاطر نهجًا رقابيًا متوازنًا للجهات الخاضعة لإشرافه.
ويأخذ هذا النموذج في الحسبان تناسب المخاطر المحتملة على العملاء والنظام المالي بشكل كامل للتعامل مع المخاطر الناشئة بسرعة وكفاءة.
يستخدم البنك المركزي عدة أدوات لرصد المخاطر المحتملة لنماذج الأعمال وقياسها.
ويستفيد أيضًا من تجارب البنوك المركزية الأخرى عند وضع السياسات.
ويتيح هذا بدوره للقطاع المالي التكيف بسرعة مع الضغوط المحتملة في بيئة الاقتصاد الكلي، والتغييرات التنظيمية، وتوقعات العملاء.
وفي نهاية المطاف، فإن العامل الأكبر في تحقيق التوازن السليم هو استقرار المنظومة المالية الأساسية.
ويعد النظام المالي الذي يتسم بالمتانة والاستقرار عنصرًا محوريًا في دعم النمو الاقتصادي، وهو ما يؤدي إلى وجود بيئة مواتيةً للشركات الناشئة بتوفر رأس المال المُخاطر بأسعار عادلة، مع القدرة على الاستثمار في النمو القائم على الابتكار، بالإضافة إلى تحمل المخاطر.
وبالسير على هذا النهج، عمل البنك المركزي جاهدًا على دعم تطوير منظومة التقنية المالية بهدف توفير فرص السوق المنصفة، وبنية تحتية مشتركة متاحة للمتعاملين في السوق، وإنشاء بيئة تنظيمية تيسيرية.
وقد وظّف البنك المركزي أداتين رئيستين بارزتين هما: البيئة التجريبية التشريعية التي أطلقت في عام 2018م، وبرنامج "مكّن" الذي أطلق العام الماضي.
تتيح البيئة التجريبية التشريعية للشركات الناشئة اختبار الحلول الابتكارية ضمن بيئة محمية.
وساعدت الأفكار المستمدة من البيئة التجريبية التشريعية في إحداث نقلة في الإطار الإشرافي للبنك المركزي، وزادت من الوضوح التنظيمي.
بالإضافة إلى ذلك، يعد برنامج "مكّن"، الذي أطلقته فنتك السعودية -المبادرةً المشتركة بين البنك المركزي وهيئة السوق المالية- مصمم لدعم شركات التقنية المالية الجديدة في احتياجاتها السحابية، وتلك المتعلقة بالأمن السيبراني، وذلك لخفض تكلفة الالتزام بها.
ولأن هذه الجهود التراكمية آتت ثمارها، ارتفع عدد شركات التقنية المالية العاملة في المملكة اليوم بنسبة 57% منذ بداية عام 2023، بالغًا ما مجمله 230 شركة.
وفي الختام، أؤكد إيماني الراسخ بأن قطاع التقنية المالية يمتلك القدرة على أداء دور أكبر في إعادة تشكيل مستقبل القطاع المالي في المملكة.
ومن المرجح أن تتميز الموجة القادمة من خطة التحول، بعد تعميق القطاع وتوسعه الذي شهدناه في العقدين الماضيين؛ بحلولٍ تقنيةٍ ماليةٍ محركةٍ للنمو الاقتصادي تشكل جزءًا أكبر من النظام المالي.
ومع ذلك، يتعين علينا أن نحرص على تبني الابتكار بحصافة مع إعطاء الأولوية للاستقرار النقدي والمالي.
شكرًا لكم.
المحافظ
كلمات المؤسسة الأساسية