Menu
Search
Saudi Central Bankالبنك المركزي السعوديأخباركلمة معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي في المؤتمر العالمي الثالث والعشرين للمصرفية العالمية الإسلامية
News
الاخبار
كلمة معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي في المؤتمر العالمي الثالث والعشرين للمصرفية العالمية الإسلامية
07/12/2016 12:00 ص

يسعدني أن أكون معكم اليوم في مملكة البحرين، وأن تتاح لي فرصة مخاطبة هذه النخبة من المشاركين لأشارككم خبرات ووجهات نظر مؤسسة النقد العربي السعودي حول آفاق المصرفية الإسلامية والتحديات التي تواجهها في هذه الأوقات المثيرة للاهتمام.

سأتناول في حديثي اليوم المحاور الرئيسة الثلاثة التالية:

  1. تطور صناعة الخدمات المالية الإسلامية حول العالم.
  2. تجارب المملكة العربية السعودية في مجال المصرفية الإسلامية.
  3. التحديات التي يجب التغلب عليها لاستغلال كامل إمكانات المصرفية الإسلامية.

 

1)      تطور صناعة الخدمات المالية الإسلامية حول العالم

من اللافت للنظر أن المصرفية الإسلامية حول العالم أظهرت خلال العقدين الماضيين مستوى مرونة أعلى بكثير من المصرفية التقليدية خلال الأزمات المالية العالمية التي شهدناها. وتشير التقديرات إلى نمو التمويل الإسلامي حول العالم بمعدل يزيد عن 10 في المئة سنويًا. ويوحي هذا المستوى من النمو والمرونة المرتفعة بأن المصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية قد يكون لديها إمكانيات أكبر من مجرد تلبية احتياجات أكثر من 1,5 مليار مسلم حول العالم.

وقد تساهم المنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في تقديم حل أفضل للمواءمة بين العائد ودرجة المخاطرة، مما يساعد في جذب شرائح أكبر من العملاء وتوفير بديل لهم عن المنتجات المصرفية التقليدية، سواء أكانوا أفرادًا أم مؤسسات أم شركات.

وقد شهدت المصرفية الإسلامية تحولات كبيرة خلال العقد الماضي، حيث توسع الهيكل المالي للمصرفية الإسلامية بوتيرة متسارعة نتيجة لنمو الطلب عليها. وبالإضافة إلى وجود المصارف الإسلامية الصافية، فقد بدأت مؤسسات مالية غير مصرفية في تقديم خدماتٍ مالية متوافقة مع الشريعة، حتى أصبح من الشائع الآن أن نرى مجموعة مالية إسلامية تتألف من مصرف وشركات تمويل وتأجير تمويلي وتأمين تكافلي.

وفي العديد من الدول ذات النسب المرتفعة من السكان المسلمين، نلاحظ دخول المصارف المحلية فيها في منافسة شرسة على تقديم خدمات مصرفية متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وزاد من ضراوة المنافسة دخول مصارف دولية كبرى. وقد أدت هذه المنافسة الإيجابية إلى تطوير مجموعة من المنتجات والأدوات الإسلامية الحديثة التي تلبي احتياجات العملاء بشكل أفضل، وهي خطوة نرحب بها جميعًا.

 

2)       تجارب المملكة العربية السعودية في مجال المصرفية الإسلامية

تطورت الخدمات والمنتجات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية في المملكة العربية السعودية بحسب حاجة السوق، حيث استجابت المصارف والمؤسسات المالية الأخرى لمتطلبات عملائها ولبّت احتياجاتهم. وانطلاقًا من سياستها الراسخة، تشجع مؤسسة النقد جميع المؤسسات الخاضعة لإشرافها على تلبية احتياجات عملائها، وتدعم على الدوام مبادرات تطوير المنتجات الملبية لاحتياجات العملاء.

وتقدم جميع المصارف السعودية الاثني عشر والعديد من فروع المصارف الأجنبية العاملة في السعودية منتجاتٍ تمويلية متوافقة مع الشريعة الإسلامية. وتشكل المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية معظم قطاع المصرفية السعودية للأفراد، كما نلاحظ نموًا كبيرًا في هذه المنتجات في قطاع الشركات، ونتوقع استمرار هذا النمو بنفس الوتيرة خلال العقد القادم.

وقد ضمنت مؤسسة النقد توفر بيئة عمل تدعم المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، بما في ذلك توفير التدريب المتخصص لمنسوبيها ومنسوبي المصارف في مجال المصرفية الإسلامية.

وترتكز السياسة العامة لمؤسسة النقد على مبدأ الاحترازية والاستباقية في تنفيذ مهامها بصفتها إحدى الجهات المنظمة والمشرفة على القطاع المالي في المملكة العربية السعودية. وقد تبنت مؤسسة النقد لسنوات طويلة الإطار المبني على أساس المخاطر لتنظيم القطاع المصرفي والمؤسسات المالية والإشراف عليها، وتمكنا عبر الزمن من تطوير وتحسين منهجيتنا الإشرافية بما يتوافق مع أفضل المعايير والممارسات الدولية.

وقد طبقنا جميع المعايير والتوجيهات الصادرة عن جهات وضع المعايير، بما فيها لجنة بازل للرقابة المصرفية، ومجلس الاستقرار المالي، وغيرها من المنظمات المعنية بوضع المعايير.

وبنفس القدر من الأهمية، ونظرًا للتواصل المستمر مع المتعاملين في السوق، فقد نجحت مؤسسة النقد في غرس ثقافة راسخة لإدارة المخاطر والحوكمة في القطاع المصرفي الخاضع لإشرافها. وانعكست متانة الإطار التنظيمي لمؤسسة النقد على الأوضاع المالية السليمة لكل مصرف وعلى استقرار النظام المصرفي السعودي.

وتُقيم مخاطر المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية وتُدار باستخدام المبادئ ذاتها المتبعة في تقييم وإدارة مخاطر المنتجات التقليدية، ولدينا قناعة بأن هذا النهج قد ساهم في تطوير المنتجات المالية الإسلامية المبتكرة والمتينة في المملكة العربية السعودية، ويدل على ذلك نموها الذي شهدناه.

وعلى صعيد الأصول المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، فقد نمت نموًا كبيرًا في المملكة العربية السعودية خلال العقد الماضي، حيث شكلت الأصول المتوافقة مع الشريعة الإسلامية نحو 51 في المئة من إجمالي أصول النظام المصرفي السعودي، و67 في المئة من إجمالي مطلوباته في يوليو 2016، وهذا أعلى مستوى مسجل بين الدول التي تنتشر فيها على نطاق واسع الخدمات المصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية والخدمات المصرفية التقليدية. كما تستحوذ المملكة العربية السعودية على نحو 19 في المئة من إجمالي الأصول العالمية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، ومن المرجح أن تصل النسبة إلى ما لا يقل عن 25 في المئة بحلول العام 2030.

وخارج سياق الصناعة المصرفية، فإن صناعة التأمين في السعودية متوافقة مع الشريعة الإسلامية بالكامل، كما أن معظم شركات التمويل غير المصرفية المرخصة من مؤسسة النقد تقدم منتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية في التمويل الشخصي، والتأجير التمويلي، والرهن العقاري.
 

3)      التحديات المستقبلية

إننا على يقين بوجود مزيد من فرص النمو الكبيرة للمصرفية الإسلامية في المستقبل، لكنها أيضًا مقرونة بتحديات يجب أن نتغلب عليها لاستغلال كامل إمكاناتها. وأود هنا أن أتطرق لأربعة تحديات:

أول هذه التحديات هو رأس المال البشري، حيث يتطلب النمو السريع للمصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية توفير موارد بشرية مؤهلة ومدربة جيدًا في عدة تخصصات وعلى كافة المستويات الإدارية. وهناك حاجة ماسة لتكريس الجهود والتعاون في هذا الشأن بين الجهات الإشرافية والمصارف والهيئات المعنية بوضع المعايير لتحديد مناطق الندرة في الموارد البشرية. كما أننا بعد ذلك بحاجة أيضًا إلى إنشاء برامج تدريبية تلبي الطلب المتزايد في الصناعة المصرفية الإسلامية عالميًا، أي برامج شبيهة ببرامج التأهيل المهني وبرامج الالتزام للشركات التي تقدمها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية هنا في البحرين.

ويكمن التحدي الثاني في توحيد المعايير، حيث إن إرساء الشفافية وتوحيد متطلبات الإفصاح يستلزمان تبني قطاع المصرفية الإسلامية العالمي لمعايير محاسبة ومراجعة داخلية موحدة. ومن شأن هذه المعايير الموحدة أن تسهل عمل الجهات الرقابية والإشرافية، مما سيسمح لقطاع المصرفية الإسلامية بالنمو والتنافس العادل دون خلق مخاطر نظامية.

ولمجلس الخدمات المالية الإسلامية دورٌ فعّال في توجيه وإرشاد المؤسسات المالية الإسلامية والقائمين عليها منذ إنشائه في عام 2002. وقد عمل المجلس خلال العقد الماضي كحلقة وصلٍ بين جهات وضع المعايير للقطاع المالي التقليدي وبين القطاع المالي الإسلامي، وكان لعمله عظيم الأثر في مساعدة العديد من المصارف الإسلامية والقائمين عليها على تبني معايير مماثلة للمعايير المتبعة في المصارف التقليدية.

أما التحدي الثالث فهو التوافق مع الشريعة. ويكمن التحدي هنا في تحقيق التوازن المطلوب بين التأويلات المختلفة للنصوص الشرعية والخلافات الفقهية وصولًا إلى مزيد من الاتساق بين الهيئات الشرعية، بحيث تكون المنتجات أكثر معيارية لتعزيز سيولة الأسواق الثانوية من جهة، ولكي تتمكن الهيئات الشرعية من دراسة خيارات جديدة تشعل وقيد الابتكار والمنافسة من جهة أخرى.

ولا يكفي أن تكون المنتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، بل ينبغي أيضًا أن تكون ذات جدوى اقتصادية. وهذا يتطلب ألا يقتصر العلماء الشرعيون في خبرتهم على الفقه الإسلامي فقط، بل يجب أن يكون لديهم إلمامٌ كافٍ بالجوانب القانونية، والمحاسبية، والهياكل المالية التي تقوم عليها المنتجات والأدوات المالية الإسلامية.

أما رابع هذه التحديات فهو إدارة مخاطر السيولة، إذ تُتداول الأدوات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية فيما بين المصارف في سوق صغيرة وغير نشطة. وبالرغم من النمو والتطور المستمر في أدوات الدين لتلبية احتياجات السوق والعملاء، إلا أن لضعف حجم سوق الأدوات المالية الإسلامية فيما بين المصارف تداعيات خطيرة على آفاق النمو المستقبلي للمصرفية الإسلامية. ويتفاقم هذا الوضع مع شيوع ثقافة "الشراء والاحتفاظ" لدى العديد من المستثمرين، ولا سيما في السوق الخليجية. وفي هذا الصدد، يجب ملاحظة شح الصكوك الحكومية الممتازة، التي تعد إحدى أدوات الدين الإسلامية المكافئة للسندات الحكومية التقليدية خالية المخاطر التي تستخدم كضمان في السوق التقليدية ما بين المصارف.

وفي الختام، أشكر الجميع وأرجو أن يخلُص هذا المؤتمر إلى توصيات قابلة للتنفيذ لمواجهة هذه التحديات وتعزيز استمرارية نمو سوق الخدمات المالية الإسلامية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

كلمات المؤسسة الأساسية